فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال في روح البيان:

فإن قلت: إن المؤمنين أجمعوا على أن الجنة للمؤمنين دون غيرهم ثم ليس أحد منهم يتمنى الموت فكيف وجه الاحتجاج على اليهود بذلك؟
قلت: إن المؤمنين لم يجعلوا لأنفسهم من الفضل والشرف والمرتبة عند الله ما جعلت اليهود ذلك لأنفسهم لأنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه وأن الجنة خالصة لهم والإنسان لا يكره القدوم على حبيبه ولا يخاف انتقامه بالمصير إليه بل يرجو وصوله إلى محابه فقيل لهم: تمنوا ذلك فلما لم يتمنوه ظهر كذبهم في دعاويهم ولأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تمني الموت قال: «لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي» قال مقاتل:
لولا بناتي وسيئاتي ** لذبت شوقًا إلى الممات

فلا يلزمهم ما يلزم اليهود.
قال سهل بن عبد الله التستري قدس سره: لا يتمنى الموت إلا ثلاثة رجل جاهل بما بعد الموت أو رجل يفر من أقدار الله عليه أو مشتاق يحب لقاء الله.
قال بعض الملوك لأبي حازم: كيف القدوم على الله عز وجل؟ فقال أبو حازم أما قدوم الطائع على الله فكقدوم الغائب على أهله المشتاقين إليه، وأما قدوم العاصي فكقدوم الآبق على سيده الغضبان.
واعلم أن الموت هو المصيبة العظمى والبلية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة الفكر فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر كما قيل كفى بالموت واعظًا ومن ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة ومنعه عن تمنيها في المستقبل وزهده فيما كان منها يؤمل ولكن القلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعاظ وتزيين الألفاظ وإلا ففي قوله عليه السلام: «أكثروا ذكر هادم اللذات» وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] ما يكفي السامع له ويشغل الناظر فيه، فعلى العاقل أن يسعى للموت بالاختيار قبل الموت بالاضطرار ويزكي نفسه عن سفساف الأخلاق. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} وفى سورة الجمعة: {ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم} فيسأل عن تخصيص آية البقرة بقوله: {ولن يتمنوه} وآية الجمعة بقوله: {ولايتمنونه} مع اتحاد الاخبار؟ ووجه ذلك والله أعلم أن آية البقرة لما كان الوارد فيها جوابا لحكم أخراوى يستقبل وليس في الحال منه إلا ما زعم مجرد واعتقاد أن الأمر يكون كذلك ناسبه النفى بما وضعه من الحروف لنفى المستقبل لأن لن يفعل جواب سيفعل، ولما كان الوارد في سورة الجمعة جوابا لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس وذلك حكم دنياوى ووصف حالى لا استقبال فيه ناسبه النفى بلا التي لنفى ما يأتى من غير اختصاص الا بغير الماضى وقد تتعاقب مع ما التي لنفى الحال.
فإن قلت: فإن ما النافية أخص بالحال فهى أنسب قلت: قد يفهم من ما نفى مجدد للحال دون ما يتصل به فقد يقول القائل: ما يقوم زيد، يريد ما يقوم اليوم ولا يريد أنه لا يقوم غدا وما صالحة لهذا المعنى وهم إنما أرادوا أنهم أولياء مستمرون على ذلك وان تلك صفتهم في الحال وما يليه إلى آخر حياتهم إذ ذلك هو الموجب أن تكون لهم الدار الآخرة خالصة من دون الناس كما زعموا فلما كان زعمهم هذا ناسبه نفى دعواهم زتكذيب زعمهم بحرف أنص في نفى ذلك وانه لا يقع منهم التمنى في حالهم ولا فيما بعده أبدا.
فإن قلت: إن قوله: {أبدا} قد أحرز هذا قلت: تأكيد ذلك أبلغ فنغى بلا وأكد بالتأبيد فجاء كل على أعلى البلاغة. والله أعلم. اهـ.

.قال السبكي:

قوله تعالى: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} وَفِي الْبَقَرَةِ {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} مَا نَصُّهُ: تَكَلَّمَ فِيهِ السُّهَيْلِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ {لَا} أَبْلَغُ.
وَصَاحِبُ دُرَّةِ التَّنْزِيلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ {لَنْ} أَبْلَغُ.
وَأَنَا أَقُولُ إنَّ {لَنْ} أَبْلَغُ فِي حَقِيقَةِ النَّفْيِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ أَوَّلَ زَمَانِ النَّفْيِ، و{لَا} أَبْلَغُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُسْتَقْبَلُ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ.
وَوَرَدَ التَّأْبِيدُ فِيهِمَا، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ: {قُلْ إنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ} وَهَذَا الشَّرْطُ وَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ نِهَايَةُ مُرَادِ الْمُؤْمِنِ، وَجَزَاؤُهَا الْأَمْرُ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ نِهَايَةُ الْمُرَادِ قَدْ حَصَلَتْ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ الْمُوصِلِ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي ثَبَتَ حُصُولُهَا لَهُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَحَسُنَ بَعْدَهُ {لَنْ} لِأَنَّهَا قَاطِعَةٌ بِالنَّفْيِ الْآنَ الْمُضَادِّ لِلشَّرْطِ الَّذِي قُدِّرَ حُصُولُهُ الْآنَ، فَالْمَقْصُودُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ الْآنَ وَتَأْكِيدُهُ، وَإِنْ امْتَدَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ بِالتَّأْبِيدِ، فَحَصَلَ تَأْكِيدَانِ أَحَدُهُمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ بِلَنْ وَالثَّانِي فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ بِالتَّأْبِيدِ.
وَفِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ: {إنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} فَجَعَلَ الشَّرْطَ أَمْرًا مُسْتَقْبَلًا قَدْ يَقَعُ الزَّعْمُ مِنْهُمْ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ.
وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَوْلِيَاءَ حُصُولُ الدَّارِ الْآخِرَةِ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا مُطَابَقَةً كَالْآيَةِ الْأُولَى فَجَاءَ الِانْتِفَاءُ لِلتَّمَنِّي الْمُسْتَقْبَلِ الَّتِي مَتَى وَقَعَ الزَّعْمُ عُلِمَ انْتِفَاءُ التَّمَنِّي، فَكَانَ التَّأْكِيدُ فِيهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ صُرِّحَ بِالتَّأْبِيدِ، وَلَمْ يُؤْتَ بِصِيغَةِ {لَنْ} فَإِنْ قُلْت فَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ {لَنْ} و{لَا} وَلَمْ يَذْكُرْهُ النُّحَاةُ وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ {لَنْ} أَوْسَعُ أَوْ {لَا} أَوْسَعُ وَفِي أَنَّ {لَا} تَخْتَصُّ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوْ تَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ، وَهَذَا الَّذِي قُلْته أَنْتَ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَبْلَغُ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ.
قُلْت وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنْفُوهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ اسْتِقْرَاءِ مَوَارِدِهَا.
قَالَ تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} {وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} {إنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا} {لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا} {فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أَبَدًا} {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلَّا أَذًى} {لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتَّى تُنَزِّلَ} {وَلَنْ تُفْلِحُوا إذًا أَبَدًا} {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ.
فَانْظُرْ مَوَارِدَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَقُوَّةَ تَحْقِيقِ النَّفْيِ فِي الْحَالِ فِيهَا، وَفِي بَعْضِهَا التَّأْبِيدُ لِإِرَادَةِ تَقْوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَفِي قوله: {إذًا أَبَدًا} الْمَقْصُودُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْأَبَدِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ فَالتَّأْبِيدُ مِنْ ابْتِدَاءِ زَمَانِهِ إلَى الْأَبَدِ وَلِذَلِكَ احْتَرَزْت فِي أَوَّلِ كَلَامِي فَلَمْ أَقُلْ مِنْ الْآنَ وَأَمَّا {لَا} فَقَالَ تعالى: {إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} لِأَنَّ الْقَصْدَ نَفْيُ عِلْمِهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
فَلَا يَحْسُنُ هُنَا.
وَكَذَلِكَ {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} لَيْسَ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْكِيدِ النَّفْيِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَقَوْلُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ} أَيْ لَا أَبْرَحُ مُسَافِرًا وَلَعَلَّهُ قَالَ قَبْلَ السَّفَرِ فَلَيْسَ كَقَوْلِ أَخِي يُوسُفَ {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} {وَإِذًا لَا يَلْبَسُونَ خِلَافَك إلَّا قَلِيلًا} لَمَّا كَانَ الْمُسْتَثْنَى الزَّمَانَ الْأَوَّلَ جَازَ {لَا} وَالْمُسْتَثْنَى فِي {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلَّا أَذًى} الْفِعْلُ فَكَانَ {لَنْ} مَعَ تَحْقِيقِ النَّفْيِ فِي أَوَّلِ الْأَزْمِنَةِ وَانْظُرْ كَيْفَ وَقَعَ التَّعَادُلُ بَيْنَ {لَنْ} و{لَا} اشْتَرَكَا فِي نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَاخْتَصَّتْ {لَا} بِنَفْيِ الْحَالِ وَالْمَاضِي وَاخْتَصَّتْ لَنْ بِقُوَّةِ النَّفْيِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ جَاءَتْ فِي قوله: {لَنْ تَرَانِي} لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قُوَّةُ نَفْيِ رُؤْيَتِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَجِئْ فِيهَا التَّأْبِيدُ فَلَا صَرِيحَ فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَى النَّفْيِ فِي الْآخِرَةِ وَدَلَالَةُ {لَنْ} عَلَى النَّفْيِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ {لَا} وَدَلَالَةُ {لَا} عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ {لَنْ} لِمَا فِي {لَا} مِنْ الْمَدِّ الْمُنَاسِبِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَلِذَلِكَ نَقُولُ: {لَا} أَوْسَعُ و{لَنْ} أَقْوَى وُسْعَةً لَا فِي الظَّرْفِ مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَيَمُدُّهُ مَا قَبْلَهُ إلَى أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِقْبَالِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمَاضِي فَصَارَتْ لِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ؛ و{لَنْ} لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي أَوَّلِهِ، فَظَاهِرُ لَنْ بَاقِيَةٌ وَالْمُعَادَلَةُ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ مِنْ حِكْمَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.

.من فوائد الزمخشري في الآية:

قال رحمه الله:
{خَالِصَةً} نصب على الحال من الدار الآخرة.
والمراد الجنة، أي سالمة لكم، خاصة بكم، ليس لأحد سواكم فيها حق.
يعني إن صحّ قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا.
و{الناس} للجنس وقيل: للعهد وهم المسلمون {فَتَمَنَّوُاْ الموت} لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الشوائب، كما روى عن المبشرين بالجنة ما روى.
كان علي رضي الله عنه يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين.
فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك على الموت سقط، أم عليه سقط الموت.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم.
يعني على التمني.
وقال عمار بصفين: الآن ألاقي الأحبة محمدًا وحزبه.
وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحنّ إليه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي» {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بما أسلفوا من موجبات النار من الكفر بمحمد وبما جاء به، وتحريف كتاب الله، وسائر أنواع الكفر والعصيان. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ الناس}.
هذا إما أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن يقوله لهم، أو أمر لكل واحد من المسلمين أن يقوله لهم، لكنه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذات ولعموم المؤمنين بالتّبع، وهذا قياس شرطي استثنائي وفي قوله: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} قياس شرطي اقتراني، وفي القرآن أيضا القياس الحملي.
قال الزّمخشري: سبب نزول الآية أن قوما من اليهود والنصارى قالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} وقرره ابن عطية بأن اليهود قالوا: {نَحْنُ أبناؤا الله وَأَحِبَّاؤُهُ} فقال لهم الله عز وجل؛ {فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فهو أحسن لكم.
قال: إن الله منعهم من التمنّي وهذا على القول بالصرفة.
قال ابن عرفة: ولا يبعد إيراد الأمرين في كلام ابن عطية، ويكون على الأول خطابا لمن ليس كفره عنادا، فلا يتمنى الموت لعلمه بكذبه في مقالته، والصرفة لمن ليس كفره عنادا يريد أن يتمنى الموت فيصرفه الله عن ذلك التمني تعجيزا له.
فإن قلت: هلا ترك ذكر خالصة فهو أخص وأبلغ لتناوله تعجيز من زعم منهم أن الدار الآخرة له ولغيره؟
فالجواب: أنه جاء على حسب الدعوى: لأنهم قالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى}. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة} الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها {فتمنوا الموت}، {الدار} اسم {كانت}، و{خالصة} خبرها، ويجوز أن يكون نصب {خالصة} على الحال، و{عند الله} خبر كان، و{من دون الناس}: يحتمل أن يراد ب {الناس} محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه، ويحتمل أن يراد العموم التام وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم، وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر الواو من تمنوا للالتقاء، وحكى الأهوازي عن أبي عمرو أنه قرأ {تمنوا الموت} بفتح الواو، وحكي عن غيره اختلاس الحركة في الرفع، وقراءة الجماعة بضم الواو. وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، وشبه ذلك من القول، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلم اليهود صدقه، فأحجموا عن تمنيه، فرقًا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكذبهم في قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وحرصًا منهم على الحياة.
وقيل إن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم. والمراد بقوله: {تمنوا} أريدوه بقلوبكم واسألوه، هذا قول جماعة من المفسرين، وقال ابن عباس: المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب، وقال أيضًا هو وغيره: إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم، وذكر المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته. والصحيح أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أيامًا كثيرة عند نزول الآية، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة، وقالت فرقة: إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب أو قطع حجتهم، لا أن علته قولهم نحن أبناء الله.
ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه، و{أبدًا} ظرف زمان وإذا كانت ما بمعنى الذي فتحتاج إلى عائد تقديره قدمته، وإذا كانت مع قدمت بمثابة المصدر غنيت عن الضمير، هذا قول سيبويه، والأخفش يرى الضمير في المصدرية، وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه، فحمل جميع الأشياء على ذلك.
وقوله تعالى: {والله عليم بالظالمين} ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد. اهـ.